- Unknown
- 1:14 ص
- رابعة ، مقالات ، ملفات خاصة
- لاتوجد تعليقات
- أمثالي من الذين عانوا من ترزية قوانين مبارك يدركون بسهولة شديدة كيف توضع العبارات الصغيرة والمختصرة جدا في قانون طويل عريض لكنها تكون كافية تماما لإلغاء قيمة هذا القانون من أصله أو تحويله إلى مجرد أداة قمع في يد السلطة ، نماذج هذا الأمر كثيرة ، منها قانون الأحزاب الذي أعده ترزية مبارك والمادة الأكثر شهرة فيه : المادة 6 ، والتي كانت تتحدث عن تميز الحزب كشرط لإجازته ، وجميع الأحزاب التي كان يخاف منها نظام مبارك ولا يريدها وبالتالي لا يسمح بالترخيص لها ، إسلامية وناصرية ويسارية وليبرالية ، كان رفضها أوتوماتيكيا يعتمد على هذه المادة تحديدا ، المادة 6، وكأن هناك "أكلاشيه" جاهز في مكتب سكرتارية اللجنة ، بينما سمحت اللجنة ذاتها لأحزاب عائلية مضحكة جدا ولا يوجد فيها أي مسحة تميز على الإطلاق ، ولكن لأنها ستكمل الديكور ، هذا ما يحدث الآن بالضبط في قانون التظاهر الذي يعتزمون إصداره خلال ساعات ، وهو قانون إجرامي فصله نفس الترزية الذين كانوا يفصلون لمبارك قوانينه ، ومنهم وزير العدل الحالي ومساعده ، وهم أساتذة في هذا الباب ، وبدون العودة إلى أي بند من بنود القانون ، لأن به حشو كثير لزوم التضليل وصرف النظر عن المفصل الأساس ، يكفي فقط العودة إلى البند رقم 11 من مشروع القانون ، وهو الذي يعطي لوزير الداخلية وضباطه سلطة تقديريه للسماح للمظاهرة من عدمه ، فإذا رأى سيادته أو نما إلى علمه العادل النبيل المنزه عن أي غرض أن المظاهرة إيجابية ولن تكون خارجة عن النص فإنه سيسمح لها ، وإذا رأى جنابه أو نما إلى علمه العادل المجرد من أي هوى أن المظاهرة مش لطيفة وفيها خروج على النص فإن من سلطاته أن يمنعها بالقوة ، وعلى المتضرر اللجوء للقضاء ، وابقى قابلني ، هذا البند وحده ، وبدون أن تزعج نفسك ببنود أخرى كارثية ، هذا البند وحده يكفيك ، لكي تدرك أنك أمام قانون لمنع التظاهر وتجريم التظاهر وخنق التظاهر وسحق أي مظاهرة ، ومن يتصور أن ضباط الداخلية سيسمحون بمظاهرة سياسية كبيرة تزلزل الحكومة القائمة وتؤثر في المشهد السياسي فهو إما معتوه أو دجال ، وكلاهما متوفر والحمد لله حاليا في السلطة الجديدة ، البعض منهم يسوق الهبل على العبط ويقول لك أن القانون لتنظيم التظاهر ، بينما هو قانون لمنع التظاهر ، قولا واحدا ، والأنكى من ذلك إذا خرجت قوى ثورية أو أحزاب لتتظاهر ضد ممارسات الداخلية ذاتها وفضح ضباطها ، ولك أن تتخيل أن ضباط الداخلية بكامل الأريحية وطيب النفس سيسمحون لتلك المظاهرة بالخروج لإحراجهم والتنديد بهم في الشوارع وأمام العالم كله ، المؤكد أن هذا القانون ينظم مظاهرات أنصار الداخلية وأنصار الجيش وأنصار الفلول ، هو قانون مفصل لخدمة مظاهرات "الأهالي" إياهم بتوع الداخلية ، أو البلطجية الذين تستعين بهم الدولة لقمع المظاهرات الحقيقية ، فأن تخرج بمظاهرة لتحية الشرطة وتأييد الفريق السيسي أو دعم سحق المعارضة أيا كان لونها فأهلا وسهلا ، أما مظاهرة تنتقد الداخلية أو تعارض الفريق السيسي أو تحتج على الفساد أو الديكتاتورية ، انسى . نحن أمام سلطة فضائحية بامتياز ، كل ما تفكر فيه من قوانين هو ما يقيد الشعب ويدفن ثورته ويحصن فساد الوزراء من الملاحقة ، هي سلطة منحرفين يشغلهم جدا كيف يحصنوا أنفسهم من ملاحقة القضاء لفسادهم في المحاكم أو ملاحقة الشعب لفسادهم في الشوارع والاحتجاجات ، لا يملكون أي شرعية ديمقراطية ولم يفوضهم الشعب في أي استحقاق قانوني وديمقراطي حقيقي ، فقط يقولون أن شرعيتهم مستمدة من مظاهرات الشارع وأن مظاهرات الشارع هي إرادة الأمة ، وهم يحترمون إرادة الأمة ، ثم بكل بجاحة ، يضعون قوانين لمنع إظهار إرادة الأمة ، ومنع مظاهرات المواطنين في الشارع وجعل مفتاحها بيدهم هم ، تتظاهر بمزاجنا ، وحسب تقديرنا ، وعلى كيفنا ، ونحن نملك الحق الكامل في أن نمنع أو نسمح لك بذلك ، أعتقد أن مصر تتجه لتجاوز مرحلة الجدل حول ما تعيشه ، وهل هو ثورة أو انقلاب ، نحن أمام ثورة مضادة بكل ملامحها .
جمال سلطان المصريون